تشير البيانات التي تقدمها التقارير العالمية حول نُدرة المياه، إلى ضرورة اعتماد نهج عمل شامل ومتكامل، يتبع استراتيجيات مدروسة، من أجل الحد من تداعياته، وضمان مُستقبل مُستدام يكفل وقف هدر المياه، وهو ما يمكن أن يتم من خلال معادلة أساسها الفرد في المرتبة الأولى.
وفي ظل الإحصائيات العالمية الرسمية التي تؤكد أن ما يصل إلى ثلث إمدادات المياه العذبة على مستوى العالم يتم هدرها سنوياً، وأمام التوقعات التي تشير إلى أن الطلب العالمي على المياه العذبة سيتجاوز مستويات العرض بنسبة تصل إلى 40% بحلول العام 2030، يصبح من الضروري تكثيف الجهود وتبني سياسات فعالة لإدارة الملف المائي بطريقة أكثر استدامة وكفاءة.
وكانت الإمارات من أوائل الدول التي سعت إلى تبني جهود حكومية مُشتركة لتعزيز استدامة موارد المياه، فأطلقت استراتيجية الأمن المائي 2036، وبدأت جميع الجهات المعنيَّة بما فيها شركة الاتحاد للماء والكهرباء، بالعمل وفقًا لمنهجياتٍ مدروسة ومُمارسات مُبتكرة، لترسيخ مفاهيم الاستدامة، والسعي نحو خفض مُعدلات استهلاك الفرد من المياه، وزيادة إنتاجيتها، وتحقيق استدامتها.
ومع إطلاق صاحب السُمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، مبادرة المياه، تترسخ الرؤية الاستشرافيَّة بعيدة المدى التي تحرص من خلالها قيادة الإمارات الرشيدة على تأمين حياة أفضل لسكانها، مع الحفاظ على الموارد وضمان استدامتها للأجيال المقبلة.
وفي إطار جهودها لتحويل رؤية القيادة في هذا القطاع إلى واقعٍ مملوس، تلعب الجهات المعنية في الدولة دورًا محورياً من خلالِ دعم المبادرات الاستراتيجية، وتسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي للحدِ من هدر المياه، واستخدام أنظمة متطورة لمراقبة العمليات التشغيلية والتحكم فيها عن بعد مثل أنظمة سكادا المياه، إضافة إلى اعتماد أجهزة قياس ذكية وحلول تكنولوجية متقدمة للكشف عن التسربات ومُعالجتها، مع الحرص على تنفيذ تلك المشاريع والمبادرات وفقًا لأرقى المعايير العالمية.
واستكمالًا لهذه الجهود، سعت الدولة إلى تعزيز استخدام التقنيات الحديثة من خلال مُبادرة العدادات الذكية، والتي تُمكّن من رصد واقع هدر المياه وتساعد أفراد المجتمع على مُراقبة استهلاكهم المائي بفعالية. كما تُعزز الدولة من استخدام تقنية التناضح العكسي لتحلية المياه وتكريرها، وتُزيد من القدرة الإنتاجية لهذه التقنية من خلال مشاريع مثل محطة "نقاء" التي تعد واحدة من أضخم مشاريع تحلية المياه في العالم. محطات مُماثلة أخرى تعتمد على ذات التقنية مثل "غليلة" و"الزوراء"، تُرسّخ لهذا النهج السبّاق، وتُسهم في استدامة إمدادات المياه العذبة للمناطق الشمالية من البلاد في كافةِ الظروف والأوقات.
لقد أسهمت هذه الجهود ولا شك في تسهيل توفير المياه، لكن يظل التحدي قائمًا، ومن الضروري أن يعمل الجميع معًا لإيجاد حلول عملية وفعالة للتغلب عليه. عادة ما يبدأ التغيير الحقيقي من الفرد نفسه، حيث ينطلق منه إلى محيطه الأقرب، لينتشر بعد ذلك على نطاق مجتمعي أوسع. تُشرف الحكومات على هذا التوسع وتنظمه من خلال إطلاق استراتيجيات وخطط وسياسات وحملات توعوية ومبادرات مبتكرة تُوجَّه إلى المستهلك ذاته وتستهدف تغيير نمط حياته. كل هذا للتـأكد من أننا نسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق التنمية المستدامة وضمان مُستقبل صحي وآمن ومزدهر للأجيال القادمة.